روضة الجنة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الجنة

منتديات روضة الجنة السلفية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 بلوغ القمم من كلام العلامة ابن القيم 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابوعبدالرحمن السلفي
مشرف
مشرف



ذكر عدد الرسائل : 95
تاريخ التسجيل : 26/09/2008

بلوغ القمم من كلام العلامة ابن القيم 2 Empty
مُساهمةموضوع: بلوغ القمم من كلام العلامة ابن القيم 2   بلوغ القمم من كلام العلامة ابن القيم 2 I_icon_minitimeالأربعاء 29 أكتوبر - 15:24

[b]قال – طيب الله ثراه - :
( ... المصالح ، والخيرات ، واللذات ، والكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة ، ولا يعبر إليها إلا على جسر من التعب .
وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم ، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة ، وأن بحسب ركوب الأهوال ، واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة .
فلا فرحة لمن لا هم له ، ولا لذة لمن لا صبر له ، ولا نعيم لمن لا شقاء له ، ولا راحة لمن لا تعب له ، بل إذا تعب العبد قليلا استراح طويلا ، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد ، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة ، والله المستعان ، ولا قوة إلا بالله ،،،
وكلما كانت النفوس أشرف ، والهمة أعلا كان تعب البدن أوفر ، وحظه من الراحة أقل ،
كما قال المتنبي :
وإذا كانت النفـوسُ كبــارًا تعبت في مرادهـا الأجسـام
وقال ابن الرومي :
قلب يظل على أفكاره ويَدُ تُمْضِي الأمورَ ونفسُ لهوها التعَبُ
وقال مسلم في صحيحه ، قال يحيى بن أبي كثير : لا ينال العلم براحة البدن .
ولا ريب عند كل عاقل أن كمان الراحة بحسب التعب ، وكمال النعيم بحسب تحمل المشاق في طريقه ، وإنما تخلص الراحة واللذة والنعيم في دار السلام ، فأما في هذه الدار فكلا ولما . )

مفتاح دار السعادة ( 2/ 15 - 16 ) [/b]



قال شيخ الإسلام ابن القيم - طيب الله ثراه - :
" ...
فكل من أحب شيئًا غير الله عُذبَ به ثلاث مرات في هذه الدار : فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل ، فاذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سلبه وفواته ، والمتغيص () والتنكيد عليه ، وأنواع المعارضات ، فاذا سلبه اشتد عذابه عليه ... " .

الجواب الكافي صـ 51 .
............

قال شيخ الإسلام ابن القيم - رحمه الله - :
( قال - تعالى - : وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ( فصلت : 33 ) .
وقال - تعالى - : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ( يوسف : 108 ) ،
وسواء كان المعنى :
أنا ومن اتبعني يدعو إلى الله على بصيرة ،
أو كان الوقف عند قوله ( ادعو إلى الله ) ، ثم يبتدئ ( على بصيرة انا ومن اتبعني ) ؛ فالقولان متلازمان ، فإنه أمره - سبحانه - أن يخبر أن سبيله الدعوة إلى الله ،
فمن دعا إلى الله - تعالى - ؛ فهو على سبيل رسوله ، وهو على بصيرة ، وهو من اتباعه ،
ومن دعا إلى غير ذلك ؛ فليس على سبيله ، ولا هو على بصيرة ، ولا هو من اتباعه ،
فالدعوة إلى الله - تعالى - هي وظيفة المرسلين واتباعهم ، وهم خلفاء الرسل في أممهم ، والناس تبع لهم ،
والله - سبحانه - قد أمر رسوله أن يبلغ ما أُنْزِل إليه ، وضمن له حفظه وعصمته من الناس ، وهكذا المبلغون عنه من أمته لهم من حفظ الله وعصمته إياهم بحسب قيامهم بدينه ، وتبليغهم لهم ،
وقد أمر النبي بالتبليغ عنه ولو آية ، ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثا ،
وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو ؛ لأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس ، وأما تبليغ السنن فلا تقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم .
جعلنا الله - تعالى - منهم بمنه وكرمه )
ا . هـ
" جلاء الأفهام " ( 1 / 415 ) .


( فما أشدها من حسرة ،
وأعظمها من غَبْنة ،
على من أفنى أوقاته في طلب العلم ،
ثم يخرج من هذه الدنيا وما فهم حقائق القرآن ،
ولا باشر قلبه أسراره ومعانيه ،
فالله المستعان ) .
ا.هـ
" بدائع الفوائد " ( ص : 338 ) .

قول الإمام العلم ابن القيم – طيب الله ثراه - ، وهي من أجمل ما خط بنانه ،
قال - رحمه الله - :
( وهل أوقع القدرية ، والمرجئة ، والخوارج ، والمعتزلة ، والجهمية ، والرافضة ، وسائر الطوائف أهل البدع إلا سوء الفهم عن الله ورسوله ؟!
حتى صار الدين بأيدى أكثر الناس هو موجب هذه الإفهام !!
والذى فهمه الصحابة ، ومن تبعهم عن الله ورسوله ؛ فمهجور لا يلتفت اليه ، ولا يرفع هؤلاء به رأسًا ... )
ا.هـ
الروح ( 1 / 63

الفائدة الثانية :
قال ابن القيم : فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواءالقلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة , ومن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله . زادالمعاد 4/323.

الفائدة الثالثة:
من عظم وقار الله في قلبه أن يعصيه
وقره الله في قلوب الخلق أن يذلوه.
الفائدة الرابعة:
ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل نت خدمته مع حاجته وفقره إليه
أنما العجب من مالك يتحبب الى مملوكة بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع أحسانه مع غناه عنه.
كفى بك عزا أنك له عبدا ::: وكفى بك فخرا أنه لك رب

الفائدة الخامسة:
الذنوب جراحات ورب جرح وقع في مقتل.

الفائدة السادسة:
مامضى من الدنيا أحلام ومابقي منها أماني والوقت ضائع بينهما.
من كتاب الفوائد
السابعة:
من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان
فلينظر ماذا يوليه من العمل وبأي شغل يشغله.

الثامنة:
من عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه.


التاسعة:
ليس للعبد مستراح إلا تحت شجرة طوبى
ولا للمحب قرار إلا يوم المزيد.
فَأَعْظَمُ أَسْبَابِ شَرْحِ الصّدْرِ :
التّوْحِيدُ ، وَعَلَى حَسَبِ كَمَالِهِ وَقُوّتِهِ وَزِيَادَتِهِ يَكُونُ انْشِرَاحُ صَدْرِ صَاحِبِهِ .
قَالَ اللّهُ تَعَالَى : أَفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبه ِ [ الزّمَرُ 22 ] .
وَقَالَ تَعَالَى : فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقًا حَرَجًا كَأَنّمَا يَصّعّدُ فِي السّمَاءِ [ الْأَنْعَامُ 125 ]
فَالْهُدَى وَالتّوْحِيدُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ شَرْحِ الصّدْرِ ، وَالشّرْكُ وَالضّلَالُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصّدْرِ وَانْحِرَاجِهِ.
وَمِنْهَا : النّورُ الّذِي يَقْذِفُهُ اللّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ ، وَهُوَ نُورُ الْإِيمَانِ فَإِنّهُ يَشْرَحُ الصّدْرَ وَيُوَسّعُهُ وَيُفْرِحُ الْقَلْبَ . فَإِذَا فُقِدَ هَذَا النّورُ مِنْ قَلْبِ الْعَبْدِ ضَاقَ وَحَرَجَ وَصَارَ فِي أَضْيَقِ سِجْنٍ وَأَصْعَبِهِ .
وَقَدْ رَوَى التّرْمِذِيّ فِي " جَامِعِهِ " عَنْ النّبِيّ أَنّهُ قَالَ : إذَا دَخَلَ النّورُ الْقَلْبَ انْفَسَحَ وَانْشَرَحَ .
قَالُوا : وَمَا عَلاَمَةُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟
قَالَ : الْإِنَابَةُ إلَى دَارِ الْخُلُودِ ، وَالتّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ . (ا)
فَيُصِيبُ الْعَبْدَ مِنْ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِحَسْبِ نَصِيبِهِ مِنْ هَذَا النّورِ ، وَكَذَلِكَ النّورُ الْحِسّيّ وَالظّلْمَةُ الْحِسّيّةُ هَذِهِ تَشْرَحُ الصّدْرَ وَهَذِهِ تُضَيّقُهُ .
وَمِنْهَا : الْعِلْمُ فَإِنّهُ يَشْرَحُ الصّدْرَ وَيُوَسّعُهُ حَتّى يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الدّنْيَا ، وَالْجَهْلُ يُورِثُهُ الضّيقُ وَالْحَصْرُ وَالْحَبْسُ ، فَكُلّمَا اتّسَعَ عِلْمُ الْعَبْدِ انْشَرَحَ صَدْرُهُ وَاتّسَعَ ، وَلَيْسَ هَذَا لِكُلّ عِلْمٍ ، بَلْ لِلْعِلْمِ الْمَوْرُوثِ عَنْ الرّسُولِ ؛ وَهُوَ الْعِلْمُ النّافِعُ، فَأَهْلُهُ أَشْرَحُ النّاسِ صَدْرًا ، وَأَوْسَعُهُمْ قُلُوبًا ، وَأَحْسَنُهُمْ أَخْلَاقًا ، وَأَطْيَبُهُمْ عَيْشًا .
وَمِنْهَا : الْإِنَابَةُ إلَى اللّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَمَحَبّتُهُ بِكُلّ الْقَلْبِ ، وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ ، وَالتّنَعّمُ بِعِبَادَتِهِ. فَلَا شَيْءَ أَشْرَحُ لِصَدْرِ الْعَبْدِ مِنْ ذَلِكَ . حَتّى إنّهُ لَيَقُولُ أَحْيَانًا : إنْ كُنْتُ فِي الْجَنّةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنّي إذًا فِي عَيْشٍ طَيّبٍ . وَلِلْمَحَبّةِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي انْشِرَاحِ الصّدْرِ وَطِيبِ النّفْسِ وَنَعِيمُ الْقَلْبِ لَا يَعْرِفُهُ إلّا مَنْ لَهُ حِسّ بِهِ ، وَكُلّمَا كَانَتْ الْمَحَبّةُ أَقْوَى وَأَشَدّ كَانَ الصّدْرُ أَفْسَحَ وَأَشْرَحَ ، وَلَا يَضِيقُ إلّا عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَطّالِينَ الْفَارِغِينَ مِنْ هَذَا الشّأْنِ فَرُؤْيَتُهُمْ قَذَى عَيْنِهِ وَمُخَالَطَتُهُمْ حُمّى رُوحِهِ .
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصّدْرِ : الْإِعْرَاضُ عَنْ اللّهِ تَعَالَى ، وَتَعَلّقُ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ ، وَالْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِهِ ، وَمَحَبّةُ سِوَاهُ فَإِنّ مَنْ أَحَبّ شَيْئًا غَيْرَ اللّهِ عُذّبَ بِهِ ، وَسُجِنَ قَلْبُهُ فِي مَحَبّةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ ؛ فَمَا فِي الْأَرْضِ أَشْقَى مِنْهُ ، وَلَا أَكْسَفَ بَالًا ، وَلَا أَنْكَدُ عَيْشًا ، وَلَا أَتْعَبُ قَلْبًا .
فَهُمَا مَحَبّتَانِ :
مَحَبّةٌ هِيَ جَنّةُ الدّنْيَا ، وَسُرُورُ النّفْسِ ، وَلَذّةُ الْقَلْبِ ، وَنَعِيمُ الرّوحِ وَغِذَاؤُهَا وَدَوَاؤُهَا بَلْ حَيَاتُهَا وَقُرّةُ عَيْنِهَا ، وَهِيَ مَحَبّةُ اللّهِ وَحْدَهُ بِكُلّ الْقَلْبِ ، وَانْجِذَابُ قُوَى الْمَيْلِ وَالْإِرَادَةُ وَالْمَحَبّةُ كُلّهَا إلَيْهِ .
وَمَحَبّةٌ هِيَ عَذَابُ الرّوحِ ، وَغَمّ النّفْسِ ، وَسِجْنُ الْقَلْبِ ، وَضِيقُ الصّدْرِ ، وَهِيَ سَبَبُ الْأَلَمِ وَالنّكَدِ وَالْعَنَاءِ ، وَهِيَ مَحَبّةُ مَا سِوَاهُ سُبْحَانَهُ .
وَمِنْ أَسْبَابِ شَرْحِ الصّدْرِ : دَوَامُ ذِكْرِهِ عَلَى كُلّ حَالٍ ، وَفِي كُلّ مَوْطِنٍ ، فَلِلذّكْرِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي انْشِرَاحِ الصّدْرِ وَنَعِيمِ الْقَلْبِ ، وَلِلْغَفْلَةِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي ضِيقِهِ وَحَبْسِهِ وَعَذَابِهِ .
وَمِنْهَا : الْإِحْسَانُ إلَى الْخَلْقِ وَنَفْعُهُمْ بِمَا يُمْكِنُهُ مِنْ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالنّفْعِ بِالْبَدَنِ وَأَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ ، فَإِنّ الْكَرِيمَ الْمُحْسِنَ أَشْرَحُ النّاسِ صَدْرًا وَأَطْيَبُهُمْ نَفْسًا وَأَنْعَمُهُمْ قَلْبا ، وَالْبَخِيلُ الّذِي لَيْسَ فِيهِ إحْسَانٌ أَضْيَقُ النّاسِ صَدْرًا وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا وَأَعْظَمُهُمْ همّا وَغَمّا. وَقَدْ ضَرَبَ رَسُولُ اللّهِ فِي الصّحِيحِ مَثَلًا لِلْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدّقِ ، كَمَثَلِ رَجُلَيُنِ عَلَيْهِمَا جُنّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ ، كُلّمَا هَمّ الْمُتَصَدّقُ بِصَدَقَةِ اتّسَعَتْ عَلَيْهِ وَانْبَسَطَتْ حَتّى يَجُرّ ثِيَابَهُ وَيُعْفِيَ أَثَرَهُ ، وَكُلّمَا هَمّ الْبَخِيلُ بِالصّدَقَةِ لَزِمَتْ كُلّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا وَلَمْ تَتّسِعْ عَلَيْهِ . فَهَذَا مَثَلُ انْشِرَاحِ صَدْرِ الْمُؤْمِنِ الْمُتَصَدّقِ وَانْفِسَاحِ قَلْبِهِ ، وَمَثَلُ ضِيقِ صَدْرِ الْبَخِيلِ وَانْحِصَارِ قَلْبِهِ .
وَمِنْهَا : الشّجَاعَةُ ، فَإِنّ الشّجَاعَ مُنْشَرِحُ الصّدْرِ وَاسِعُ الْبِطَان مُتّسِعُ الْقَلْبِ وَالْجَبَانُ أَضْيَقُ النّاسِ صَدْرًا وَأَحْصَرُهُمْ قَلْبًا ، لَا فَرْحَةٌ لَهُ وَلَا سُرُورٌ وَلَا لَذّةٌ لَهُ وَلَا نَعِيمٌ إلّا مِنْ جِنْسِ مَا لِلْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيّ ، وَأَمّا سُرُورُ الرّوحِ وَلَذّتُهَا وَنَعِيمُهَا وَابْتِهَاجُهَا فَمُحَرّمٌ عَلَى كُلّ جَبَانٍ ، كَمَا هُوَ مُحَرّمٌ عَلَى كُلّ بَخِيلٍ ، وَعَلَى كُلّ مُعْرِضٍ عَنْ اللّهِ سُبْحَانَهُ غَافِلٍ عَنْ ذِكْرِهِ جَاهِلٍ بِهِ وَبِأَسْمَائِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَدِينِهِ مُتَعَلّقِ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ .
وَإِنّ هَذَا النّعِيمَ وَالسّرُورَ يَصِيرُ فِي الْقَبْرِ رِيَاضًا وَجَنّةً وَذَلِكَ الضّيقُ وَالْحَصْرُ يَنْقَلِبُ فِي الْقَبْرِ عَذَابًا وَسِجْنًا .
فَحَالُ الْعَبْدِ فِي الْقَبْرِ كَحَالِ الْقَلْبِ فِي الصّدْرِ : نَعِيمًا وَعَذَابًا ، وَسِجْنًا وَانْطِلَاقًا ، وَلَا عِبْرَةَ بِانْشِرَاحِ صَدْرِ هَذَا لِعَارِضِ ، وَلَا بِضِيقِ صَدْرِ هَذَا لِعَارِضِ ، فَإِنّ الْعَوَارِضَ تَزُولُ بِزَوَالِ أَسْبَابِهَا ، وَإِنّمَا الْمُعَوّلُ عَلَى الصّفَةِ الّتِي قَامَتْ بِالْقَلْبِ تُوجِبُ انْشِرَاحَهُ وَحَبْسَهُ فَهِيَ الْمِيزَانُ . وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ .
وَمِنْهَا بَلْ مِنْ أَعْظَمِهَا : إخْرَاجُ دَغَلِ القْلبِ مِنْ الصّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ الّتِي تُوجِبُ ضِيقَهُ وَعَذَابَهُ ، وَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُصُولِ الْبُرْءِ ، فَإِنّ الْإِنْسَانَ إذَا أَتَى الْأَسْبَابَ الّتِي تَشْرَحُ صَدْرَهُ وَلَمْ يُخْرِجْ تِلْكَ الْأَوْصَافَ الْمَذْمُومَةَ مِنْ قَلْبِهِ لَمْ يَحْظَ مِنْ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِطَائِلِ ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَادّتَانِ تَعْتَوِرَانِ عَلَى قَلْبِهِ ، وَهُوَ لِلْمَادّةِ الْغَالِبَةِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا .
وَمِنْهَا : تَرْكُ فُضُولِ النّظَرِ وَالْكَلَامِ وَالِاسْتِمَاعِ وَالْمُخَالَطَةِ وَالْأَكْلِ وَالنّوُمِ ، فَإِنّ هَذِهِ الْفُضُولَ تَسْتَحِيلُ آلَامًا وَغُمُومًا وَهُمُومًا فِي الْقَلْبِ تَحْصُرُهُ وَتَحْبِسُهُ وَتُضَيّقُهُ وَيَتَعَذّبُ بِهَا ، بَلْ غَالِبُ عَذَابِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْهَا .
فَلَا إلَهَ إلّا اللّهُ مَا أَضْيَقَ صَدْرَ مَنْ ضَرَبَ فِي كُلّ آفَةٍ مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ بِسَهْمِ ، وَمَا أَنْكَدَ عَيْشَهُ وَمَا أَسْوَأَ حَالِهِ ، وَمَا أَشَدّ حَصْرِ قَلْبِهِ .
وَلَا إلَهَ إلّا اللّهُ مَا أَنْعَمَ عَيْشِ مَنْ ضَرَبَ فِي كُلّ خَصْلَةٍ مِنْ تِلْكَ الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ بِسَهْمِ ، وَكَانَتْ هِمّتُهُ دَائِرَةً عَلَيْهَا حَائِمَةً حَوْلَهَا ، فَلِهَذَا نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [ الِانْفِطَارُ 13 ]
وَلِذَلِكَ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : وَإِنّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ [ الِانْفِطَارُ 14 ]
وَبَيْنَهُمَا مَرَاتِبُ مُتَفَاوِتَةٌ لَا يُحْصِيهَا إلّا اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
وَالْمَقْصُودُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ كَانَ أَكْمَلَ الْخَلْقِ فِي كُلّ صِفَةٍ يَحْصُلُ بِهَا انْشِرَاحُ الصّدْرِ وَاتّسَاعُ الْقَلْبِ وَقُرّةُ الْعَيْنِ وَحَيَاةُ الرّوحِ ، فَهُوَ أَكْمَلُ الْخَلْقِ فِي هَذَا الشّرْحِ وَالْحَيَاةِ وَقُرّةِ الْعَيْنِ مَعَ مَا خُصّ بِهِ مِنْ الشّرْحِ الْحِسّيّ ، وَأَكْمَلُ الْخَلْقِ مُتَابَعَةً لَهُ أَكْمَلُهُمْ انْشِرَاحًا وَلَذّةً وَقُرّةَ عَيْنٍ ، وَعَلَى حَسَبِ مُتَابَعَتِهِ يَنَالُ الْعَبْدُ مِنْ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ وَقُرّةِ عَيْنِهِ وَلَذّةِ رُوحِهِ مَا يَنَالُ ، فَهُوَ َ فِي ذُرْوَةِ الْكَمَالِ مِنْ شَرْحِ الصّدْرِ وَرَفْعِ الذّكْرِ وَوَضْعِ الْوِزْرِ ، وَلِأَتْبَاعِهِ مِنْ ذَلِكَ بِحَسْبِ نَصِيبِهِمْ مِنْ اتّبَاعِهِ وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ .
وَهَكَذَا لِأَتْبَاعِهِ نَصِيبٌ مِنْ حِفْظِ اللّهِ لَهُمْ وَعِصْمَتِهِ إيّاهُمْ وَدِفَاعِهِ عَنْهُمْ وَإِعْزَازِهِ لَهُمْ وَنَصْرِهِ لَهُمْ بِحَسْبِ نَصِيبِهِمْ مِنْ الْمُتَابَعَةِ فَمُسْتَقِلّ وَمُسْتَكْثِرٌ .
فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللّهَ . وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ .» اهـ
( زاد المعاد) (2/23- 27)

center]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بلوغ القمم من كلام العلامة ابن القيم 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الجنة :: روضة العلم :: منتدى الروضه العام-
انتقل الى: